أحداث سوريا: اضطرابات بلا نهاية وحلف " إسرائيلي ـ عربي..." وإشعال المنطقة

عندما قال الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب إن بلاده تتعرض لمؤامرة من دول قريبة وبعيدة للعبث باستقرارها، اتجهت أنظار المراقبين مباشرة إلى محور واشنطن ـ تل ابيب ـ الرياض (البعض من العائلة المالكة)، كون هذا المحور من أصحاب السوابق في ارتكاب مثل هذه المؤامرة ضد دمشق، ويوجد الكثير من الأدلة السياسية والإعلامية والأمنية على تربص هذا المحور بسوريا، وكان في دائرة التوقع أن يركب هذا المحور موجة الثورات العربية لاستخدام تزامنها والإفادة من الأرضية التي قامت عليها للهجوم على دمشق وتصفية حساباته معها.
لا يمكن انتظار المسار القضائي للتثبت من حجم تورط هذا المحور في أحداث سوريا، علماً أن ما أظهرته سلطات دمشق من أدلة أولية يزّكي بشكل لا لبس فيه إدانة المحور المذكور، غير أن الأدلة السياسية والإعلامية على هذه الإدانة تطفو على سطح الأحداث والتطورات، ومن السهل التقاطها والبناء عليها، كونها ليست وليدة اللحظة، فهي تتربص بسوريا منذ زمن بعيد نسبيا عن زمن الثورات العربية، وسبق أن تم التعرف الى بصمات أصحابها في مناسبات سابقة، منها ما ذكره كتاب "سر الرؤساء" عن فضيحة قمة النورماندي بين بوش وشيراك في الـ 2004 " لإسقاط" النظام في سوريا قبل اغتيال رفيق الحريري، أو عندما أظهرت وثائق ويكيليكس سعد الحريري متلبسا بالجرم المشهود (وهو الجرم الذي يشتهيه فيلتمان) يحضّ الإدارة الأميركية على إيصال عبد الحليم خدام إلى سدة الحكم في دمشق.
إلى هذا، يمكن تلمس المؤامرة على سوريا، من خلال الطريقة التي تتعاطى فيها مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية العالمية مع الحدث السوري، والملاحظة الأولى هي أن هناك اهتماما كبيرا من قبل هذه المراكز بما يدور في سوريا يتجاوز بكثير الاهتمام بسائر الثورات العربية الأخرى، ومنها الثورة المصرية. والملاحظة الثانية، ان هذا الاهتمام يتركز على الأبعاد والجوانب المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وكل ما يتصل بمقاومة المشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة فقط، في حين يجري تغييب الأبعاد والجوانب (الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية) التي تعتبر المحرك للحدث السوري، والتي على ضوء مقاربتها يمكن تفسير هذا الحدث.
أبرامز: لتكن الاضطرابات السورية بلا نهاية
واللافت، أن مراكز الدراسات التابعة للعدو واللوبي اليهودي في العالم كانت الأكثر كثافة في إغراق سوق النشر بالأوراق البحثية والتحليلات التي تتناول التطورات في سوريا، فقد تناول الخبير اليهودي الأميركي اليوت أبرامز ( يشكل مع دينيس روس ثنائياً يدير شبكات اللوبي الإسرائيلي في داخل الإدارة الأمريكية)،الحدث السوري في 6 تحليلات نشرها في كبريات الدوريات الأميركية، وهي وول ستريت جورنال، الواشنطن بوست الأمريكية، ونيويورك تايمز، مجلة كومينتري، مجلة ناشونال ريفيو، مجلة فورين بوليسي، مجلة ويكلي ستاندارد. وما هو جدير بالملاحظة أن جميع تحليلات إيليوت أبرامز قد أعاد نشرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي النافذ التأثير على عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الأمريكية، وقد خلص أبرامز في هذه التحليلات إلى العودة إلى سياسة بوش لجهة عزل سوريا ومحاصرتها، وأوصى الإدارة الأميركية بالتأكيد على أن نجاح العمليات السرية الإسرائيلية ـ الأمريكية لتأمين فعاليات استمرار الاضطرابات في سوريا بحيث تكون بلا نهاية سوف يفيد كثيراً لجهة إضعاف سوريا وإتاحة الفرصة لإسرائيل للقيام بابتزاز دمشق في أي مفاوضات سلام قادمة معها.
كولي: حتى تكون دمشق أكثر ضعفاً
وعلى وقع هذه الخلاصة، جاءت مقاربة البروفسور جوان كولي الأستاذ بكلية ميتشيل التابعة لجامعة متشغان الأمريكية في الحوار الذي أجراه معه الخبير الأمريكي برنارد غيفورتزمان، ومما قاله كولي:
ـ منح الهدية السورية للأكراد، وبرغم أن هذا القرار سوف يجد قبول ورضا الأكراد، فإن على واشنطن السعي لجعلهم لا يقبلون بهذا الأمر، وأن يتجهوا نحو التصعيد المطلبي، لجهة طلب المزيد.
ـ السماح بارتداء النقاب في الجامعات، وبرغم أن هذا القرار سوف يجد قبول واستحسان الجماعات الإسلامية السنية، فإن على واشنطن السعي لجهة جعلهم لا يقبلون بذلك، وأن يتجهوا نحو التصعيد المطلبي لجهة طلب المزيد.
هذا، وبالنسبة للاحتجاجات السياسية السورية، فقد أضاف الخبير جوان كولي قائلاً، على واشنطن ممارسة الضغوط النفسية والإعلامية أكثر فأكثر على دمشق، بما يجعل دمشق أكثر تساهلاً وضعفاً لجهة السماح بخروج المظاهرات والاحتجاجات.
شينكر: امكانية استخدام القاعدة لإحداث موجات هجرة كبيرة
كما نشرت صحيفة نيوريبابليك الأمريكية المرتبطة بجماعة المحافظين الجدد المقالة (مقاربة لديفيد شينكر تحليلية)، وما كان لافتاً للنظر أن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع لجماعات اللوبي الإسرائيلي قد أعاد نشر المقالة على موقعه الالكتروني، ودعا شينكر إلى أن تسعى واشنطن لاستهداف دمشق ضمن حدود معينة، بحيث تسعى إلى دعم سيناريوهات الخلافات الداخلية عن طريق إذكاء وقود الكراهيات الطائفية والعرقية، إضافة إلى بث المخاوف بما يؤدي إلى حدوث موجات هجرة كبيرة من داخل سوريا إلى خارجها.
إلى ذلك، لم يتوان شينكر عن الأخذ بإمكانية قيام واشنطن بالتخطيط لتوظيف واستخدام سيناريوهات تنظيم القاعدة. ولكن ضمن نطاق صغير محدود قابل للضبط والسيطرة.
مركز اللوبي اليهودي البريطاني: الاضطربات ضمانة مصالح إسرائيل وأميركا
وقد نشر الموقع الالكتروني الخاص بمنظمة اللوبي الإسرائيلي البريطانية ورقة بحثية ركزت على أحداث سوريا الجارية وتداعياتها على إسرائيل، خلصت إلى مطالبة واشنطن بضرورة العمل من أجل جعل الاضطرابات في سوريا تأخذ شكلاً مستمراً. ما دام أن استمرارية هذه الاضطرابات هي الشرط الحصري لإضعاف خصوم أمريكا وإسرائيل. وهو الإضعاف الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى استقرار وضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
مركز أورشليم: إسرائيل الرابح الأكبر من فوضى سوريا
من جهته، نشر مركز أورشليم للسياسة العامة، ورقة بحثية مختصرة، حملت عنوان (سوريا: الخاسرون والرابحون)، أعدها الدكتور جاكس نيرياه العقيد السابق في الجيش الإسرائيلي، والذي يتولى حالياً منصب المحلل الخاص للشؤون الشرق أوسطية في مركز أورشليم للسياسة العامة: وقد توصل نيرياه إلى تحديد الخاسرين والرابحين في حالة تصاعد سيناريو الفوضى في سورية، على النحو الآتي:
ـ أبرز الخاسرين: حركات المقاومة الفلسطينية، وبالذات حركة حماس ـ حركات المقاومة اللبنانية، وبالذات حزب الله اللبناني ـ إضافة إلى إيران والعراق، والحركات ذات التوجهات القومية العربية في المنطقة.
ـ أبرز الرابحين: حركة الإخوان المسلمين السورية ـ حركة الإخوان المسلمين اللبنانية ـ قوى 14 آذار اللبنانية ـ السعودية ـ إسرائيل وأمريكا.
هذا، وما كان لافتاً للنظر أن الورقة البحثية أشارت إلى أن إسرائيل وأمريكا سوف تكونان الرابح الأكبر في حالة استمرار وتصاعد الفوضى بشكل دائم ومستمر، وبالتالي، فقد راهن نيرياه على ضرورة أن يسعى محور واشنطن ـ تل أبيب إلى استدامة حالة الفوضى والاضطراب والتوتر لأطول فترة بما يمكن أن يتيح إضعاف دمشق بأكبر ما يمكن، ويقلل من قوة ونفوذ دمشق في المنطقة لأقل ما يمكن.
التقاء المصالح الصهيونية والسعودية
وإلى أبعد من هذا، أوغل الإعلام الإسرائيلي في توظيف الأحداث في سوريا ليشق لكيانه طريقا فسيحة إلى نسيج شعوب المنطقة، فعلى وقع تحذير (يراهن عليه جناح في العائلة المالكة في السعودية) يقول: "حالة الحرب المستمرة واثارة الحقد والكراهية ضد الدولة اليهودية ومعاداة السامية لا تضمن بقاء الانظمة السياسية العربية مثل ما شاهدناه في ليبيا وسوريا واليمن"، من جانبها رأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية أن "القواسم المشتركة بين السعودية واسرائيل تشكل ارضية صالحة لتشكيل تحالف استراتيجي مؤقت مشابه للحلف بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الاميركية خلال الحرب العالمية الثانية في مواجهة حلفاء المحور".
وإذ دعت العائلة المالكة إلى عدم الوثوق بالرئيس الاميركي باراك اوباما كحليف يمكن الاعتماد عليه، بذريعة ان اوباما يتحدى فقط ويتخلى بسهولة عن حلفائه ويفضل عدم التدخل في شؤون الثورات الداخلية في بلدان اعدائه كإيران وسوريا مثلاً، لفتت الصحيفة الإسرائيلية، السعودية إلى أن "ايران هي الخطر الرئيسي بالنسبة للسعودية وبلدان الخليج وليست اسرائيل"، وأن أوباما لن يدعو إلى "حل عسكري للمسألة الايرانية، فهو طوال السنتين الماضيتين اتبع سياسة العقوبات الاقتصادية العقيمة. وحدها اسرائيل عازمة ولها مصلحة في ردع التهديد الايراني. سبق لاسرائيل ان هدمت المفاعل النووي في العراق سنة 1981 وفي سوريا سنة 2007، بعد انسحاب معظم الجيوش الاميركية من الشرق الاوسط، لن يرسل اوباما جيشه مجدداً للقضاء على التهديد الايراني".
المصدر: حسين حمية - الانتقاد

شكرا الك
سوريا الله حاميها
وبشار الاسد راعيها
شكرا مرة تانية