بعد دمج التموين والاقتصاد ..الفوضى بالأسواق والمواطن هو الحلقة الأضعف

رغم مرور عشر سنوات على دمج وزارة الاقتصاد والتموين في وزارة واحدة سميت وزارة الاقتصاد والتجارة إلا ان ما طبق على ارض الواقع بعد الدمج من مراقبة للأسواق وعملية ضبط لها لم يكن حسب رأي خبراء الاقتصاد مقنعاً فالتقصير كان واضحاً في آلية الرقابة على الأسواق رافقه ضعف في التنفيذ للإجراءات المتخذة بحق المخالفين وبالتالي كانت آلية العمل تقليدية للغاية ولم يبدو في السنوات الماضية أي تغيير في ضبط الأسواق سيما انه في كل عام تتكرر المشكلة نفسها في ارتفاع الأسعار وازدياد المخالفات وتمادي المحتكرين من التجار. و لعل حالة التبعثر المكاني لإدارات الوزارة و توزعها في أماكن مختلفة هنا وهناك من العاصمة يشير إلى طبيعة الدمج الحاصل والحالة للتخبط الميداني والتطبيقي في كيفية سيطرتها على الأسواق، وطالما طلب المواطن بعد قرار الدمج التموين والاقتصاد ان تعاد الثقة للأسواق وأجهزة الرقابة عليها التي بدت على ارض الواقع ضعيفة لا تفي بالغرض المطلوب ولكن في السنوات الماضية المواطن كان الحلقة الأضعف في وصول الأسواق إلى حالة من الفلتان والفوضى ، وهذه الثقة ان تحققت فيمكن ان تعيد على الأقل التوازن لصورة وزارة الاقتصاد في قمعها للمخالفات والتشديد على الأسواق بشكل يرضي الجميع. ويرى المراقبون للأسواق أن الفساد كان له دوراً أساسيا في إخفاق عمليات الرقابة الجارية على الأسواق إضافة إلى إخفاق الجهاز الرقابي نفسه وارتفاع سطوة التجار في السوق وقدرتهم على التزوير والتلاعب بالمواصفات.



يذكر أنّ تشكيل قانون الأسواق في سورية تمّ من خلال دمج قانون التموين والتسعير 123 لعام 1960 المعدل بالمرسوم 158 لعام 1969 والمعدل بالقانون 22 لعام 2000، والقانون 158 لعام 1960 الخاص بالقمع والغش والتدليس المعدل بالقانون 47 لعام 2001



المستهلك كان الحلقة الأضعف

قبل قدوم شهر رمضان كل عام تسارع وزارة الاقتصاد للإعلان عن استنفارها وحالات التعزيزات للأجهزة مراقبتها في إعادة لترتيب بيتها الداخلي بالمراقبة وتوزيع العناصر, فباتت المسالة تقليدية للمواطن يسمعها كل عام ولكن السؤال المطروح لماذا لا تتغير الأسعار بالأسواق وخاصة الغذائية منها على ضوء ما يتم اتخاذه من إجراءات صارمة من قبل الدولة ممثلة بوزارة الاقتصاد ؟ وما الذي جناه المستهلك في التحول من الاقتصاد الاشتراكي إلى الاقتصاد المخطط ؟ هل اقتصر الدمج الجديد بين وزارة التموين والاقتصاد على التسمية فقط ؟ خاصة بعدما توجهت الحكومة لإلغاء حصرية كثير من الأعمال المناطة بمؤسسات الوزارة الاقتصاد وأتاحتها امام القطاع الخاص في ظل ما تم إنشاؤه من الهيئات الجديدة كهيئة المنافسة ومنع الاحتكار وتنشيط الصادرات وغيرها. وما الذي عملته هيئة المنافسة ومنع الاحتكار إلى الان سوى إحصاء المواد والسلع ومقارنتها مع السلع الأخرى؟ وما الذي فعله قانون حماية المستهلك على مدى السنوات الثلاث الماضية للمخالفة وفي إجراءاته التنفيذية التي لم تكن تسمن أو تغني من جوع ؟ فالتاجر حسب قول المراقبين الاقتصاديين راح يسرح ويمرح في السوق على ضوء المواد والبنود الركيكة في هذا القانون في وقت لم نسمع ان تاجراً دفع ثمن أخطائه نتيجة مخالفته في سلعته ؟فالذي يحدث دائما ً وليس هذا بجديد ،هو أن المخالفة توأد بمحلها دون حس أو خبر، وهنا الطامة الكبرى! الدكتور سمير سعيفان خبير اقتصادي، قال يجب أن يكون هناك رقابة مجتمعية ولا تكفي الرقابة الحكومية لأنها أجهزة حكومية تراقب أجهزة حكومية أخرى مشيرا أن الدولة حالياً تختلف عن جزء كبير من برنامجها الاجتماعي فان لم يكن هناك قدرة مجتمعية ومؤسسات قادرة على المحاسبة فان الحكومة لا تعرف اذا ما كانت تعمل بشكل صحيح أو لا ؟!



معادلة فاشلة

إن الحديث عن تحرير الأسعار في أسواقنا يقودنا للحديث عن الانتقال المتدرج الى اقتصاد السوق الذي تبنته الحكومة في سياستها الاقتصادية خلال السنوات الماضية. وكان الاقتصاد حسب رأي خبراء الاقتصاد ليس اقتصاداً اجتماعيا بقدر ما كان اقتصاداً حراً فتح الأسواق على مصراعيها أمام تدفق المنتجات المخالفة وبكل الأساليب والطرق لتغيير السوق والتدخل به حيث عانى الاقتصاد من حالات اندماج وتداخل في الاختصاصات انعكست بشكل كبير على اتخاذ القرارات فكانت هناك قرارات مترددة وغير صائبة وقوانين تتعدل وتتبدل إلى الآن لأنها لم تتوافق مع طبيعة السوق. ولعل دمج وزارة التموين والاقتصاد احد ابرز تجليات هذا التدخل غير المجدي والمقنع كما يراه الكثير من المهتمين والمتابعين .. وهناك من قال ان التحكم بالأسعار أمر غير ممكن في اقتصاد السوق إذ أن التحول الى اقتصاد السوق يفرض معادلة تحكم التجار في تحديد الأسعار في ظل غياب الرقابة التموينية وعملية ضبط الأسواق مع غياب واضح لضمير التاجر وهنا بيت القصيد. فالسلع المحررة حسب قول وفاء الغزي مديرة الأسعار في وزارة الاقتصاد لا تحدد أسعارها من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة وإنما تخضع لآلية السوق المبنية على العرض والطلب والمنافسة وترك متابعة واقع السلع المحررة والمحددة في السوق من قبل جهات المستهلك وفق تحديد السعر وتبيان بطاقة البيان على المواصفات القياسية السورية وإبراز الفواتير لكن على ما يبدو ان هذه المعادلة لم تكن تكتمل مع وزارة الاقتصاد في ظل سعي التجار للاحتكار والسيطرة على مداخل ومخارج السوق مما كان الانعكاس السلبي المباشر على دخل ومعيشة المستهلك..

وكما قال لنا انس دعبول دبلوم في الاقتصاد أن تحرير الأسعار في الأسواق جاء ضد مصلحة المستهلك ،والحكومة نتيجة إتباعها اقتصاد السوق حررت أسعار 85% من المواد وبالتالي لم تعد تتدخل بموضوع التسعير، وقانون حماية المستهلك لم يشر إلى هذه الناحية، وعملياً لا تستطيع وزارة الاقتصاد ولا جمعية حماية المستهلك أن تتدخل في الأسعار المحررة التي تخضع لآلية السوق ولقانون الطلب والعرض. وهناك من رأى أن خيار العودة عن تحرير السوق قد يكون هو الخيار السليم ولكن مع هذا فالتسعير الإرادي للسلع لم تعد عودته ممكنة خاصة أن الضرائب تزداد في ظل التحرير كما هي التكاليف الإنتاج المرتفعة..



قوانين ليست بمحلها

اليوم يجري الحديث عن تعديل بعض المواد بقانون حماية المستهلك بعد مرور ثلاث سنوات على تواجده بالسوق فهناك التعديلات الجديدة التي ستكون صارمة حسب قول وزارة الاقتصاد تختلف عما كان سابقاً في القانون الذي يجرى الى التعديل، حيث لم يثبت القانون حسب قول مراقبي الأسواق جدواه رغم انه كما قالت عنه وزارة الاقتصاد يعد من أفضل القوانين التشريعية التي تأتي حماية للمستهلك، وقد بدا لهؤلاء انه مليء بالثغرات ونقاط الضعف إضافة إلى إشارات استفهام وردت من جميع مديرات التجارة الداخلية في كافة المحافظات ومن غرف التجارة والصناعة وجمعية حماية المستهلك التي رأت ضرورة إعادة النظر بالعقوبات المخالفة الموجودة في القانون الحالي التي كما يقول أحدهم عقوبات مثل قلتها..! . ويرى عدنان دخاخني رئيس جمعية حماية المستهلك أن تطوير قانون حماية المستهلك فيه تصويب للثغرات التي يمكن تجاوزها بهذا التعديل ومنها الوصول الى القوائم السوداء والبيضاء التي تهدف حسب قوله إلى إيجاد صيغة لمكافأة المنتج الجيد والملتزم بالقائمة البيضاء وبالمقابل معاقبة المسيء ووضعه بالقائمة السوداء يتسنى للمستهلك رؤيتها

وهناك من يختلف مع هذا الأمر حيث يرى الخبير الاقتصادي الدكتور رياض تقي الدين إن القوائم السوداء لن تكون محقة وعادلة مع الجميع حيث لا يمكن تطبيقه في حق الكثير من المخالفين، حيث اغلبهم يعمل في اقتصاد الظل وهذا ما يتم لحظه بالأسواق من امتداد البسطات على الأرصفة وفي الشوارع والعرض السيء للمنتجات التي لا تتطابق مع المواصفات القياسية .



من المواد التي يتمّ العمل على تعديلها كما علمنا المادة 14، التي تضم الإعلام المضلل واستخدام الباركود والمواصفة، والمادة 22 والمادة 48 المتعلقة بالمحاكم المختصة، كما تتمّ دراسة قانون التمويل والتسعير، وقانون منع الغش والتدليس، وفقرة السند القانوني كما هناك مسودة التعديل التي تتضمن اقتراح تعديل بعض المواد الواردة بقانون حماية المستهلك منها نقل المادة 14 إلى المادة 41 للتشدد بالعقوبة وإفراد 6 بنود خاصة بها، كما يتوقع أن يتم إلغاء أحد المادتين 22 و5 نظراً لتشابهما، إضافة لتعديل المعالجة المتعلقة بالمحاكم المختصة بفرض العقوبات, حيث تم استبدال النص (على وجه السرعة) بالنص (على وجه الاستعجال).. وحقيقة ما التعديلات التي تجري حالياً واتخاذ الإجراءات في الأشهر الماضية مثل إيجاد مشروع تعديل رسم الإنفاق الاستهلاكي والتعديلات بالرسم الجمركية وتعديل بعض القوانين الخاصة بحماية المستهلك ما هذا حسب قول الدكتور عابد فضلية الخبير الاقتصادي إلا وضع الخطوات الملموسة على الطريق الصحيح فيما وصلت اليه الاسواق من فوضى وتسيب غير موصوفة بعدما غزت المنتجات الأجنبية الأسواق من كل حدب وصوب وكانت النتجة الإغراق واختلاط المنتجات المحلية الجيدة والسيئة معاً الأمر الذي أساء للسوق وخلق حلقة مفقودة بين المستهلك والتاجر..

إن المواطن لم يلمس إيجابية لاقتصاد السوق الاجتماعي، إنما واجه المستهلك الجانب السلبي، وذلك بسبب هذا التضخم بأسعار السلع الأساسية التي لم تتوازن مع الزيادة في الأجور التي قدمتها الحكومة على فترات متتالية لهذا كله وقف المستهلك حائراً ومتسائلا: هل ما يحصل حالياً في الأسواق من زيادات كبيرة هي بسبب تحرير السلع والأسعار أم لأسباب أخرى؟.