الصداقة قيمة والتزام ووجدان

الصداقة قيمة والتزام ووجدان
منقول من أحد الصحف المحلية بتصرف

تعتبر كلمة الصداقة شيئاً معيباً بين الذكر والأنثى لدى الكثير من الناس خاصة في المجتمعات الشرقية لأنهم لا يسألون عن معناها الحقيقي في حياتهم ولا يأخذون بعين الاعتبار تجسيدها أفعالا حميدة لا أقوالا تحمل بين طياتها فساد السيرة وحسب لأنها بالنسبة إليهم علاقة تقوم بين طرف وآخر والصداقة في مجتمعنا الشرقي تختلف اختلافا جذريا عن مفهوم المجتمع الغربي من حيث كيفية تشكل هذه العلاقة بين الذكر والأنثى وفي بلاد الشرق نادرا ما نعترف بوجود الصداقة بين شاعر وأديبة أو شاعرة وشخص آخر وإذا استمرت هذه العلاقة فلا بد أن تنسب إليها وجود المنكر غير الشرعي.

وأنا اعترف بقصورنا الثقافي عما تعنيه هذه الكلمة الذهبية من معنى دقيق رفيع المستوى لأننا بها نرتقي وبها نهبط إلى الدرك الأسفل من الحياة وإقراري لمفهوم الصداقة بين الرجل والمرأة مبني على أسس أخلاقية قيمة ناتجة عن وعي الذات بين كلا الطرفين لأنها لا تعني الانفلات خارج حدود القواعد الاجتماعية التي نؤمن بها ونمارسها مع أولادنا وأخواتنا وإخوتنا لأولاد الجيران ورجالهم وفي مقر العمل إنها قاعدة أساسية للبناء الاجتماعي وهي رمز من رموز الأخوة المتبادلة نسمو بها ونحقق علاقات اجتماعية متينة قائمة على المودة الصافية والإيثار الجميل الذي أصبحنا نفتقده في أيامنا الصعبة تلك.

وقد عرفها البشر منذ القدم فكان الملوك والأمراء أصدقاء من الحكماء يستشيرونهم في المعارك وفي الزواج وكانوا يأنسون ويستأنسون في مجالستهم وفي رحلاتهم وفي تفسير ما يردهم من أخبار ورسائل كانت تصلهم من أعدائهم أو الموالين لحكمهم وتحكي أسطورة ( جلجامش) عن معنى الصداقة بينه وبين (انكيدو) وهي من الملاحم الجميلة وان تكن الإشارات التاريخية على حقيقية وجوده لا تزال قليلة إلا أن اسمه ورد وفي ثبت الملوك السومريين من سلالة الورقاء الأولى التي حكمت بعد حادثة الطوفان.

ولست هنا بصدد الحديث عن هذه الملحمة السومرية والبابلية إلا كشاهد على قيمة الصداقة في حياة الناس وقد تحدث الناس عن قيمتها فقالوا صديقك من صدقك وليس صدقك الأولى بتسكين القاف والثانية بفتحها ) والإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي يحتاج إلى وجود الصديق في حياته يستشيره في أمور حياته يبثه شكوى قلبه عن أموره الشخصية أو يحكى له عن حزنه لضائقة مادية تلازمه أو يستأنس بمرافقته أينما ذهب وجلس وقد درج الأدباء على عادة اللقاء في المقاهي يتناولون مع أصدقائهم حكاياتهم وقصصهم وأشعارهم وكلنا يعلم أن قواعد الحياة الاجتماعية بشكل عام لا تستسيغ وجود المرأة في المقهى لتلتقي بصديقها تسأله و تصغي إليه إلا في حالات نادرة توجبها الظروف.

ومما يؤكد على أهمية الصداقة وقيمتها العالية في تكوين العلاقات الاجتماعية القائمة على الاحترام المتبادل وعلى الصدق والمصداقية في التعامل والوفاء للأصدقاء الأوفياء وعدم مواجهة سلبية احدهم بسلبية مماثلة وفي هذه ينطبق قول الشاعر:
صادق صديقا صادقا في صدقه
صدق الصداقة في الصديق الصادق