رحلة في دهاليز عقل معارض سوري

رحلة في دهاليز عقل معارض سوري .

رحلة في دهاليز عقل معارض سوري بمجرد أن راودتني نفسي الأمَّارة بالسوء عن رحلة في دهاليز تلك العقول،سمعْت نفسي اللوامة تشتمني وتشكوني لبارئها وتدعو عليَّ بِوَاثكْل أمي ،ولكن حب الإستطلاع وشديد الفضول تغلب على الإستحياء من الشتائم، فحملت أوراقي ويراعي لتسجيل كل ما أراه تأريخاً وليس نقداً،وبعض من شموع تساعد في تلمس الدروب ،بحكم أن تلك الدهاليز شديدة الوعورة وسحيقة العمق،وكل ما حملته من أوراق ويراع لا يكفي لسبر تلك الأغوار،فقررت ألا أوغل بعيداً،وأن أبقى في الحاضر القريب ولن أغوص في عتمات الأشهر البعيدة إلا عبر النظر ومن خلال مد البصر فقط . ومع أول خطوة وعلى مدخل تلك الدهاليز شديدة العتمة،أشعلت أول شمعة فرأيت عجباً عُجاب، تماثيلٌ عدّة لشخصياتٍ عدّة،تمثالٌ مكللٌ بالغار لمعاذ الخطيب،وتمثال لجورج صبرا يرتدي درعاً مخطوط في منتصفه سيفين متشابكين تحتهما الكلمة القرآنية “وأعدوا ” وتمثال آخر مبتور اليدين مكسور القدمين لبرهان غليون،وتمثال لميشيل كيلو تعلو سحنته لحيةٌ متسلفةٌ كثَّة،ويتوسط جمع التماثيل هذا تماثيلٌ لحمد القطري على هيئة آلهة هندية متعددة الأطراف،وآخر لعبدالله بن عبدالعزيز على هيئة مومياء من العصر الماقبل جليدي،وآخر لأوباما بن حسين على هيئة قديس من حواريِّ عيسى عليه السلام،ومجسمات صغيرة على هيئة مقاتلين ينتعلون اللحى ويرتدون السيوف،ومجسمات أخرى على هيئة بن لادن وهولاند وهيغ وراسموسن،وتمثال آخر كان في ركنٍ بعيد لم أتبين ملامحه،إلا أنه كان يرتدي طربوشاً،فاستنتجت أنه أردوغان،ويتدلى من سقف القاعة خرقة من قماش كُتب عليها،لو أُمرنا بالسجود لغير الله لعبدناكم،وأنا وبحكم أؤرخ ولا أنقد أو أنقض،فلن أحاول تفسير ما أرى من كل هذه الآلهة المتضاربات المتناقضات،وما هي قواسمها المشتركة.
ثم وبعد الباب بخطوتين،رأيت يافطة مكتوب عليها “الجهاد في سبيل الله”وتحتها ميادين تتم فيها حفلات للذبح والنحر في حضرة حناجر التكبير،وعلى حافة كل ميدان مجسم للعرعور والقرضاوي وآخرين كأمثالهم تتدلى من أعناقهم قلادات منقوش عليها بالدم (سفير الله ووكيله الحصري)، ثم وعلى بعد مترين رأيت أجساماً كأنها خُشُبٌ مسندة لكنها بلا رؤوس،كُتب على صدورها”إستشهاديون”وكل جسم تحت قدميه حاوية من حديد صدئ،فاقتربت بشمعتي نحو الحاوية فرأيت عقلاً،فاستنتجت أن لكل جثة تفجرت منتحرة قد ألقوا بعقلها في الحاوية قبل أن يرسلوها لتنفجر في الأسواق والمدارس والمستشفيات،ثم تقدمت خطوة أخرى،فرأيت شعوباً وقبائل مما خلق الله أشتاتاً أشتاتآ،الأبيض والأحمر والأسود،من القوقاز إلى المحيط الهندي وما بينهما،وفيهم تتجلى قدرة الخالق باختلاف الألوان والألسنة،ويافطة ملتصقة بصدغ الحائط كُتب عليها ” قسم الأنصار”جاءوا لينصروا السوريين على سوريتهم وليحرروهم من سوريتهم، ولينقلوهم من ضيق سوريا إلى فسحة الناتو . وخطوة أخرى فرأيت ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطَّر على قلب بشر،رأيت تمثالاً لنتن ياهو، بيمينه القرآن وبشماله الإنجيل،وبين ركبتيه شخص يستصرخ” واشاروناه،وشاروناه” وكُتب على ظهره (المجاهد في سبيل الله أبو فادي)وكلما استصرخ أعطاه نتن ياهو صفحة من القرآن فبال عليها،أو صفحة من الإنجيل فبصق فيها،وبعد خطوة أخرى هناك تمثال لبيريس متكومٌ على نفسه يبكي بحرقةٍ ومرارة على فشل ما صنعت يداه من (ثوار ومجاهدين) على تحقيق البشائر الإستراتيجية برحيل الأسد،ثم وبعد خطوة أخرى رأيت السيد نصرالله يضع قدمه على رقبة أولمرت والرئيس الأسد يضع قدمه على صدر عمير بيرتس،ويافطة مكتوبٌ عليها “إنظروا يا أتباع المصطفى ماذا فعل الكفرة الفجرة بأهل الكتاب المسالمين،الذين أوصانا بهم نبينا ” ورأيت حولهم من يتحلقهم يبكون سُنة المصطفى ويتباكون إرثه،ويتسلفون بأخلاق أعدائه،أفليس عُجاباً. وبعد خطوة أخرى رأيت قماشاً ناصعاً بهدف الإبهار،كُتب عليه ” إنَّا سمعنا قرآناً عجبا ” وتحت هذه العبارة رُسمت ايقونات صغيرة على هيئة الشعارات لقنوات الجزيرة والعربية والأورينت والبي بي سي وفرانس 24 وأخواتهم في الرضاعة من ضرع النفط والغاز، والإستعمار والإستحمار،وتحتها أجسام أخرى لها رؤوس مجوفة لا عقل فيها،يتحلقون حول الشاشات يبسملون ويتعوذون ،ويسبحلون ويحوقلون تسليماً تاماً بآيات الإعلام المُنْزلات من رب الآبار.
وقد نفذ ما أتيت به من أوراق وشموع ،فهرولت مسرعاً للخروج من تلك الدهاليز،فأمسك بي على المدخل تمثال الخطيب،وسألني أن أخرجه قائلاً، أين أنا؟ ألا تأخذني معك بعيداً عن هذه العتمة،وإني أراهم يجهزون الكلاليب لسلخي في روما،فقلت له إقرأ نيرون واحرق روما،فقال إن الفرائس لا تشوي الصياد،فقلت له وسوريا صياد ماهر وتهوى رائحة شواء الفرائس. ( الثلاثاء 2013/02/26 SyriaNow)

abo fateh