أبو عدنان... رحيل يختزل آلام وطن
29/10/2012
شوكوماكو | طارق علي
قبل اسبوعين ولسبب لم أعرفه حتى اليوم , قررت أن أغامر وأدخل حمص القديمة , حاملاً قلمي رامياً خلفي ذكرى عشرين عاماً وألف قضية , كان الطريق معبداً بالأوجاع والقهر رغم قصره, أحياء مهدمة وآخري مدمرة , هنا جيش وهناك مسلحين وبين الاثنين حكايات من الصمود يرسمها الجيش , وقصص من الخيانة يرسمها من حضن المسلح في الحي يوماً ، لا مدني هنا , ولا طير هناك, ياسمينة تتدلى من فتحة بعيدة تبكي وتنظر إلينا لاعنة ً كل معنى عرفته للمحبة , برفقة الجيش يومها دخلنا من بناء لآخر وتنقلنا من شارع لآخر ، وكل الطرق يتقاسمها قناصون باعوا الوطن بحفنة من مال وأوهام , بين البيوت وعبر فتحات الجدران لمسنا أول ملامح العيش بما بقي لنا من وحي نحمل ذكراه أو نلعن كل حجر ارتص فوق اللبنة ليبني داراً تسكنها الروح, متسللين بكل هدوء الخوف نلتفت تارة ً للخلف وتارةً للأمام خشية أي رصاصة تقتل فينا ما بقي من العزيمة." كنت أنا ومن خلفي أخوة في الجيش يهدون إليّ الطريق كلما ضللت البعد في زحمة الركام , خلف أحد الفتحات كان يجلس ذاك الرجل الثمانيني , آهاته تصدح عالياً تعانق نجوماً اعتاد أن يرسمها على دفتره في الصغر ، وعلى يمينه ابنه الشاب ذاك الفتى المعاق ذهنياً , رآني أبو عدنان فخشيته وعدت للخلف قليلاً, تقدم مني بكل ما لخطواته على الأرض من ثقل السنين ألماُ, ونظر إلى ّ وشرع يبكي ومعه دون أن أعرفه عرفت كيف أن للوطن رجالات
لا تموت في الصعاب , سألت من كان خلفي, ومن هذا ؟ فجاءني الرد هذا هو مختارنا وضحك الجنود وابتسم أبو عدنان , ثم اتجهت نحوه وجلست قربه ليروي لي كيف يكون الصمود , وكيف يبنى الوطن ولداً فولداً حتى النزف الأخير , ألف تفصيل مرّ بلمح البصر لا أذكر ما قال , ولكن جل ّ ما أذكره أنه قال حين سألته : أنت المدني الوحيد هنا , أفلا تخرج , أذرف دمعتين ثم قال : الوطن أغلى مني ومنك يا ابني ..العجوز الياس منصور أبو عدنان هو المدني الوحيد الذي رفض الخروج من منزله رغم كل المخاطر في حيه ورغم أن باب بيته وكل نوافذه تتعرض يومياً لرصاص القناصين , أبو عدنان ذاك الرجل المسالم , قتله حاقد ّ أراد أن يجاهد فما وجد سوى الإنسانية سبيلاً للجهاد , يوم أمس قتل العجوز وغداً ؟؟؟
(( لن نصالح على دمه , حتى ولو قيل لنا رأس برأس )).
\\ ابو فاتح \\