بين الحب و القدر

شكراً صديقتي ليال و هذه شهادة اعتز بها

هذا مقطع من الرواية






هدوء غريب خيم على الحافلة و كأن العجلات أخذت عطلتها الأسبوعية نام جميع الركاب شعر حينها محمود و كأن كل شيءٍ حوله اتخذ لنفسه عطلةٌ صغيرة ليرتاح قليلاً من عناء السفر فالطريق إلى القرية مازال يحتاج ساعتان .
لم يشعر محمود بنفسه سوى غارقاً بالأحلام والحلم الوحيد لديه هو تخرجه و أهل البيت و القرية يحتفلون بهذا الشاب و يرشون الأزهار و الرز فوق رأسه و أمه تطلق زغاريد الفرح و الدموع تملأ خديها الورديان
يقطع عليه لذته بالفرح رجلٌ يسأله كم بقي من الوقت للوصول
فقال له بقي لدينا حوالي الساعة و النصف يا عماه أترى تلك التلة هناك مازال علينا اجتيازها
يجيبه الرجل شكراً لك بني لكن ابن من أنت
أنا ابن أبو محمود جميل الراشد
عرفتك أن والدك كان في الجيش صحيحا
نعم إنه كذلك و لكنه تقاعد بعد إصابته في حرب الإنقاذ
أجل فوالدك كما أعرف كان ضمن الكتيبة التي حوصرت في الجليل يا لها من حرب كم كانت قاسية و كيف حولت مجرى حياتنا .
و بقي محمود يتحدث مع الرجل حتى وصولهم إلى قرية الرجل التي تبعد حوالي النصف ساعة عن قرية محمود ليكمل الطريق وحيداً إلى قريته
.....
ها قد بدأت الحركة تضجُ في القرية الصغيرة بعد الهدوء الطويل الذي غمر أزقتها الترابية الغافية تحت ضوء القمر فلا تسمع سوى صوت حفيف الأوراق التي تتساقط من الأشجار .
استيقظت أم محمود لتبدأ أعمالها المعتادة في إيقاظ الأولاد و ترتيب المنزل بنشاطها الذي لم يقل ُ يوماً عن الآخر 00
فاليوم عطلة و فيه تجتمع العائلة جميعها حتى صار هذا كتقليد متبع فالكل يجب أن يكون موجوداً و لا يقبل أي عذر .
_تتمتم أم محمود .. يا إلهِ ما هؤلاء الأولاد الكسالى ينامون إلى الآن أليس لديهم حِسٌ بالمسؤولية
_تنادي : هيه حسان هيا استيقظ صار الوقتُ متأخراً والدك ذهب إلى الحقل و أنت لا تزالُ نائماً
_يجيب حسان متذمراً .. ماذا يا أمي آلا تعرفين أن اليوم هو الجمعة ألا يسعني النوم قليلاً بعد
_لا أيها الكسول فأخاك اقترب موعد وصولهِ و عليك الذهاب إلى الحقل لتأخذ الفطور لوالدك
_حسناً أنا قادم
تمشي أم محمود ناحية غرفة عليا و تنادي عليها
_عليا .. عليّا انهضي يا ابنتي عليكِ مساعدتي في أعمال المنزل
_حاضر أمي إنني أغير ملابسي و آتيكِ فوراً
_تحاكي أم محمود نفسها ... آه تأخر محمود عسى خيراً
يخرجُ حسان من غرفته ..
_صباح الخير أمي
_أهلاً بني صباح النور
_ماذا بك يا أمي .. ؟ هل نسيتي أن اليوم عطلة و يحق لي النوم قليلاً بعد
تجيبهُ أمهُ بنبرة ..
_أيها الكسول عليك الذهاب إلى الحقل لابد أن والدك جائع و عليك أن توصل إليه الفطور
_حسناً لا تغضبي سأغسل وجهي بينما تحضرين الزوادة
تدخل أم محمود المطبخ و تبدأ بتحضير الزوادة
هاهو هدير السيارة يأتي من بعيد قد وصل محمود من المدينة حاملاً في جعبته شوقٌ جائعٌ لحضن الأهل و رائحة الخريف الدافئ في القرية
محمود شابٌ يافع بهي الطلة حسن الوجه طويل القامة تبدو عليه ملامح الشاب الريفي الخشن .
هو طالبٌ في كلية الحقوق مجتهد في دراستهِ و قد جاء ليمضي عطلته قبل بدأ الامتحان النصفي لأنه سيغيب حوالي الشهر و نصف و بعدها يعود ...
في ذلك الوقت لم يكن هناك الكثير من السير في القرى بل كانت تأتي الحافلة في الصباح حاملةً القادمون من المدينة و ترحل عند غياب الشمس عائدة إلى المدينة .
حين سمعت أم محمود صوت السيارة قادمة تنهدت و قالت الحمدُ لله قد جاء الغالي
و ركضت متلهفة لملاقات ابنها البكر
_أهلاً بني قد اشتقنا إليك كثيراً
_أهلاً أمي .. و أنت كيف حالك لقد اشتقت إليكم كثيراً
_لماذا لم تـأتي الجمعة الماضية قد قلقنا عليك كثيراً
_أسف أمي لكن تعرفين لم يبقى الكثير للامتحانات و يجب عليَّ التحضير جيداً فلا أريد الرسوب في أي مادة كي لا تؤخرني في السنة القادمة
_إني أدعو لله أن يوفقك في كل خطوة ادخل بني عشر دقائق و يكون الفطور جاهزاً
_حسناً أمي .. و لكن أين والدي
_إنه في الحقل و حسان ذاهبٌ إليه و معه الفطور و سيخبره أنك أتيت ليأتي بسرعة
_لا دعيني أنا أذهبُ إليه و آخذ الفطور له
_ألن تأكل معنا هنا
_لا أنا مشتاقٌ لوالدي لذا سنأكل سوياً
و بينما هما يتحدثان يطرق ُ الباب و سلمى تنادي على عليا
سلمى ابنة السادسة عشر و ابنة الجيران الذي عاشوا مع بيت أبو محمود في السراء و الضراء و قضوا أيامهم سوياً في الحزن و الفرح و في كل المناسبات كانوا جنباً إلى جنب و كأنهم عائلة واحدة
عندهم بنتان و شاب واحد و من بينهم سلمى التي تعتبر آخر العنقود و المدللة عند والديها
بيضاء البشرة واسعةُ العيون وجهها مستدير جسدها مرسوم كحوريةٌ أنزلها اللهُ بأجمل خلق
ذهب محمود ليفتح الباب بخطاه الواسعة الواثقة التي توحي للرائي بأنه رجلٌ بمعنى الكلمة
فتح الباب ... فوقف صامتاً لبرهة يتأمل ما خلق الله من هبة الجمال الأخاذ الذي يكادُ يُنطق الصخر
قالت سلمى ..
_مرحباً محمود الحمدُ لله على سلامتك
_أهلاً سلمى
و مازال ينظرُ إليها بعيونٍ تبرق مذهولٌ بسلمى